أحداث هذه القصة واقعية ، وليست من نسج الخيال ، وأبطالها في اعتقادي على قد الحياة إلى الآن ، فأتمنى أن تحوز على إعجابكم واستحسانكم .
وقصتنا هذه وقعت في ثلاث دول ، وأحداثها الأولية في الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم تتوالى الأحداث في المملكة العربية السعودية ، وتنتهي في إحدى الدول الخليجية .
هذه القصة وقعت تفاصيلها تقريباً قبل حرب الخليج الأولى عام 1990 ، وكانت المملكة وقتها حريصة كل الحرص على إرسال مبتعثين في شتى المجالات ، ولكثير من الدول ليعودوا محمّلين بالعلم والثقافة ، وليساهموا في نهضة الوطن سواءً كانت نهضة عمرانية أو تجارية أو حتى عملية .
وكان هناك أحد الطلاب المتميزين يدرس في المرحلة الثالث الثانوية وتنبأ له معلموه بمستقبل مشرق لما شاهدوا فيه من جدٍ واجتهاد ومثابرة ، فنصحه أحد معلميه أن يدرس في الخارج ، وخاصة أن باب الإبتعاث مفتوح على مصراعية ، ليعود حاملاً لشهادة عليا ، ويكون له منصب ومركزٍ عالي .
وعندما تخرج بدجة ممتازة ، وتذكر نصيحة معلمه فذهب يطرق باب الإبتعاث ، وقدّم ملفه وكل أمله أن يحقق حلمه الذي زرع نبتته معلمه ، وانتظر فترة من الزمن حتى أتته البشارة بأنه تم قبوله في بعثة علمية ، للولايات المتحدة الأمريكية .
وعندما حُدد موعد الرحلة قام بتجهيز نفسه ، وشراء أغراض مناسبة لهذه المرحلة من حياته ، وخاصة إن هذه الرحلة هي الأولى له خارج الوطن ، فاختلطت عنده مشاعر الخوف والفرح والسعادة بالرهبة .
وعندما حانت لحظة الوداع ، قام بوداع والديه وكله حزن وألم ، فهو لم يفارقهم منذ يوم ولادته ، وخاصة أنه آخر العنقود ، وهو الرجل الوحيد لوالديه وليس معه إلا أخوات وقد تزوجوا جميعاً ، فقام بتوصية أخواته على متابعة والاهتمام بوالديه ، وتقديم المساعدة لهم لحين عودته .
وركب الطائرة وكله استشراف للمستقبل ، وفي رأسه ألف سؤال وسؤال ، ماذا ينتظرني هناك ؟ ، وكيف سأعيش ؟ ، ولستُ متمكناً من اللغة الإنجليزية ؟ ، ومما زاد الطين بلّة أن تخصصه الذي اختاره كان يدرّس في ولايات صغيرة وغير مشهورة ، والأمل فيها ضعيف في أن يجد عربي ولو واحد يؤنس الوحدة ويزيل الوحشة ويُهوّن قساوة الغربة .
وبعد عناء الرحلة الطويلة ، وخاصة تنقله من طائرة إلى طائرة ، إلى أن وصل إلى الولاية المحددة ، فنزل فيها وبدأت رحلة البحث عن سكن يأويه ، حتى اليوم الأول الذي يذهب فيه إلى الجامعة .
وفي صباح اليوم الدراسي الأول ، ذهب وهو يحس بوحشة وخوف لا يعرف سببه أهو غربة المكان أم غربة السكان أو الإثنتين معاً ؟ ، مجتمع غريب وبشرٌ أغرب ، فاتجه نحو الجامعة وأحس أنه وحيد رغم زحمة الناس حوله ، ومرة عليه الأيام ثقيلة ، وخلال أربعة أيام كانت قاسية ، ووصلت حالته النفسية لحد البكاء ، وصعُب عليه التأقلم فاللغة صعبة ، والمأكل والمشرب أصعب ، والوحدة والبعد عن الأهل والوالدين أصعب وأصعب .
وفي اليوم الخامس وفي آخر محاضرة له في الأسبوع ، دخل الدكتور للمحاضرة وبدأ تحضير الطلاب واحداً واحدا ، وفجأة نطق الدكتور اسم شخصٍٍ عربي ، فتفاجأ واختلطت عنده المشاعر ، وأحس في ذلك الوقت أنه خلق من جديد ، وصار يُقلّب ناظريه في وجوه الطلاب الذين معه ، حتى استطاع تحديد ذلك الشخص العربي ، وكانت هذه المحاضرة أطول محاضرة ستمر عليه ، وعندما انتهت المحاضرة خرج مسرعاً يريد اللحاق بذلك الشاب العربي ولكن ...
انتهى الجزء الأول ونلتقي بإذن الله مع الجزء الثاني .