في أحد الأيام دخل صاحب البستان بستانه وطلب
من الحارس أن يحضر له رمانة حلوة الطعم ،فذهب
الحارس وأحضر حبة رمان وقدمها لسيد البستان
وحين تذوقها وجد مذاقها حامضا ، فقال للحارس :
قلت لك أريد حبة حلوة الطعم . احضر لي رمانة
أخرى .
فذهب الحارس مرتين متتاليتين وفي كل مرة
يكون طعم الرمان الذي يحضره حامضا .
فقال صاحب البستان متعجبا :
إن لك سنة كاملة تحرس هذا البستان ، ألا تعلم
مكان الرمان الحلو ؟!
فقال حارس البستان : أنك يا سيدي طلبت مني
أن أحرس البستان لا أن أتذوق الرمان ، فكيف
لي أن أعرف مكان الرمان الحلو ؟
ستعجب كثيرا ياصاحب البستان وستحزن أكثر
لأننا محتاجون إلى مثل حارسك الأمين وستصاب
بخيبة أمل حينما تعلم أن كثيرا من المسؤولين
ليسوا أهلا لحمل الأمانة التي ألقيت على
عواتقهم .
فيظن أحدهم أن المال العام الذي صيره ولي
الأمر إليه وأمنه عليه لمصلحة الناس إنما
هو حق خالص له وبمقدوره أن يقتطع منه لحسابه
الخاص ما شاء وقتما شاء بلا حسيب أو رقيب .
لذا لا غرابة أن نلمس ونرى تأخرا وفسادا في
كثير من المشاريع الخدمية والتنموية التي ينتفع
بها المجتمع بل وتعطل بعضها كليا حتى أصبح
يخصص للمشروع المتعثر الواحد مع كل ميزانية
للدولة تحت مسمى جديد في كل مرة .
وقد بتنا بكل أسف نقرأ في الصحف بين فترة
وأخرى عن رشاوى وصكوك مزورة بمبالغ طائلة
كان المسؤول عنها أناس لطالما نظرنا إليهم
على أنهم قدوات للمجتمع في الأمانة والعدل
والنقاء ، وقد صدق فيهم قول الصادق الأمين
إن اثنين من الثلاثة في النار .
إن ما نراه في واقعنا وما نسمعه من التعدي
على المال العام الذي هو حق للجميع لهو واقع
مرير وصلنا له وهو ما جعلنا نسير في آخر ركب
الدول المتقدمة التي أيقنت أن الأمانة في أداء
العمل والحفاظ على المال العام هي المعيار
الأول لتنصيب أي مسؤول عن أمور الناس
وحاجاتهم .
فكان الأحرى بنا نحن المسلمين أن نلتزم تلك
الصفة التي هي أساس في ديننا .
وما أقول لك ...أيها المسؤول ..
إلا ما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
لابنه عبدالله :
اغد الى رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين .
محمد بن عبدالله الجعيدي