من أصعب الأمور التي تمر على أي إنسان أن يعيش مزدوجاً أو يظهر ما لا يعتقد ويفتقد خاصية الجرأة خشية ردود فعل معينة أو أي من الضوابط الوضعية التي أملتها العادات والأعراف والأنساق الاجتماعية التي لم تعد صالحة للاستهلاك الزمني المعاصر .
ما بين الحقيقة والافتراض يعيش أقوام يختزلون في ذواتهم المختبئة خلف معرفات التواصل وقنواته العديدة الكثير من القيم الجديدة والابتكارات والرؤى المطورة والأطر الناصعة التي تستحق المكاشفة والوضوح والإشهار العلني ... قناعات تامة وصحيحة لكنها لا تظهر إلا خلف معرفات وهمية وأسماء مستعارة لتبدي رأيها بكل مرونة وشجاعة خلف معرفاتها الافتراضية بعيدة جداً عن ما يتطلبه العالم الحقيقي الذي يتعاطون معه بصورة مباشرة وهو الأمر الذي يتسبب بطبيعة الحال بظهور حالات الانفصام الفكري والمعرفي الذي سيؤدي في نهاية الأمر إلى المرض النفسي رقم واحد عندنا وهو الانفصام الشخصي الذي يجعل الإنسان يعيش بأكثر من شخصية متذبذباً بين موقفين مختلفين نتيجة ما اهتدت إليه بصيرته وأملته قناعاته وبين واقعه الذي يصادر كل ذلك .
كل الأنساق القديمة التي لا تعترف بأن الكون كله كائن متحرك يؤثر ويتأثر لا بد أن تكسر على حافة العلم والمعرفة والإدراك وعلى مرونة العقليات الجادة في البحث والتقصي التي تقود إلى الانفتاح على ثقافات وعلوم الشعوب الأخرى .
يقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه «كلما ازدادت الحقيقة وضوحاً ازداد أعداؤها » .
فالموقف الحاسم يتطلب جلاءً واضحاً وبياناً فصيحاً ومنطقاً بديعاً يتم من خلاله شرح الواقع وتأصيل الحقائق ، يلزم همة عالية وشجاعة متناهية وصورة وصوتاً واضحين لأن الاضمحلال والضمور خلف الجدران علامة وهن وضعف وإن تواردت الحجج والبراهين الصحيحة ، فالصوت الراسخ والحضور الواضح مع كل ما سبق رهان يصعب تحطيمه أو تجاوزه والتقليل من تأثيره ، فهو جزء من الإرادة القوية التي تذيب كل الصعاب والمطبات ، وتختزل المسافات وتسهل لكل رؤية جديدة القبول والرضا .
يلوذ بالذات كل مجازف وينال بالحسرات كل جبان .