للأسف الشديد لدينا موروثات اجتماعية بتناقلها الكثير من العامة ، يحفظونها ، يلقنوها أبنائهم ، يرددونها في مجالسهم في محافلهم ، يبروزون بها أحاديثهم ويلونون بها أحرفهم وكأنها قرآن منزل أو أحاديث متواترة دون أدنى نظر أو أعلى فكر!
من تلك الموروثات البالية مقولة( مدح الرجل في وجهه مذمة )!
لا أعلم أي قاعدة أرتكز عليها صاحب هذه المقولة وأي بحراً أدبي أستقى منه فكره؟
لدرجة بات فيها الواحد منا يتحرج أن يقول كلمة شكر أو ثناء أو إطراء لصديق أو زميل أو حبيب لأنه يخشى أن يكون مدحه وشكره وثناؤه يقع في إطار الذم وهذا أصنفه بفكري المتواضع نوع من أنواع الجهل المركب !
عن نفسي أنا ولست أعوذ بالله من كلمة ( أنا ) أقولها من غير أسف عليها أو على مورثها ، أنا ضد هذا الموروث أو هذا المثل ، أيّن يكن " موروث - مقولة - مثل " لا يعنيني تصنيفه.
بالطبع هذه ( الأنا ) لها حكاية وموروث أخر ، فتسمع من يقول ( أنا ) يتبعها بكلمة أعوذ بالله من كلمة (أنا ) ليش ولماذا وكيف ؟ لا شي ! فقط موروث!!
( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب ) قالها سيد البشر ولم يعقبها بكلمة " أعوذ بالله من كلمة أنا!!
أعود بكم لصلب الموضوع:-
المدح هو تعبير عن الرضا أو الثناء. أو الإطراء الايجابي ويمكن أن نمدح شخص في عمله وطالباً في درسه ، وشجاع في شجاعته وشاعر في شعره وكريم بكرمه وأديب في أدبه .. الخ.
لكنَّ ذلك بلاشك وهو الممقوت فعلاً ، لا يجب أن يكون المدح في ما يتعلق بتملُّق الآخرين أو نيل التملُّق منهم!
وهو التودد لهم بما ليس فيهم أو التذلل والخنوع لهم لنيل مافي أيديهم أو لانتزاع تملقهم ! فهناك فاصلة بين المدح المحمود والتملق المذموم!
(المديح) نقيض النقد والتجريح ، لأنه يستخدم الجوانب المضيئة والمشرقة في أعمال أصحابها وإنجازاتهم التي تخدم أنفسهم والمجتمع بشتى جوانبها وأيّن كان تصنيفها .
المدح للمبدع وسيله من وسائل التشجيع ودافع من دوافع الإبداع ، لا يتحرج منه أو يبخل به سوا بخيل مشاعر منغلق فكر أن لم يكن حاسد !!
إذا لم تمدح من يستحق المدح في وجهه ، فأين وكيف ستمدحه ، ومن سيبلغه مدحك أو تشجيعك ؟ وأن وصله فسيكون باهت بلا معنى لأنه لم يكن من مصدره الذي ربما تمنى سماعه منه بشكل مباشر ليشعر أن هناك من يهتم لنجاحه ويتابع تميزه .
المديح للمبدعين مكافأة معنوية لها قيمة ذات معاني سامية ومحفز بالغ الأهمية لمزيد من الإبداع والتألق في سماء الفكر والإنجاز .
لم يكن شيء أكثر تحطيم للمواهب في نفوس أصحابها ، من الكبت وعدم المديح والتشجيع اقتداء بهذا الموروث الباطل !
فالله تعالى مدح النبي عليه الصلاة والسلام وأثنى عليه وزكاه في مواطن كثيرة منها قوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم"
كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم امتدح كثيراً من الصحابة بل وأخذ في رأيهم استشعاراً منه عليه السلام بقيمة فكرهم.
فقد مدح خالد بن الوليد ، بتسميته سيف الله المسلول ، مدح حسان بن ثابت على جزالة شعره ، مدح البعض من الصحابة على حسن أصواتهم وتغنيهم بالقرآن.
وكثيرا من الشعراء مدحوا النبي الكريم والخلفاء الراشدين ومن بعدهم من الملوك والأمراء والسلاطين بل أغلب الشعر العربي مدحا وثناء وتمجيداً وإطراء ، ولعمري لا أدري من أين أتت هذه المقولة السخيفة؟
في النهاية تذكر أن المبدع يستحق أن يشعُر منك بتقدير إبداعه ولو بكلمة طيبه تشعره بتميزه وتحسسه بقيمة جهده .
حتى في حبك للآخرين ، قل لوالديك لأخوتك انهُم نور عينيك ، ولصديقك انه يمثل جزء منك ، قل للرائعين أنهم رائعين وقل لمن تحب انك تحبه.
أمدح من يستحق المديح في وجهه ودع عنك الساخافات الهادمة والأفكار البالية.
فلو كان المدح في الوجه مذمة لما مدح الله سيد ومصطفى البشرية..
وأنت أيها الممدوح لا تتحرج أوتشعر أو تتخيل أنك مذموم بسبب قولاً ذميم ، إذا كنت في مقام يؤهلك لنيل ذلك ..
دمتم بود ..
بقلم/ محمد بن جهز العوفي.
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
تركي هنيدي العوفي
12/04/2019 في 11:11 م[3] رابط التعليق
جميل جداً
ظهور مثل هذا الإبداع في زمن كثر فيه المتشابه..
أ. محمد انت بحر من الإبداع وكل جملة من مقالك لها نصيباً يجعلها تدور في أفق الأهمية.. والخروج من محيط الموروثات البالية ـ كما تسميهاـ
(0)
(1)
محمد بن جهز
13/04/2019 في 7:57 ص[3] رابط التعليق
شكراً لمرورك المضئ اخي تركي
وكلماتك المشرقة ..
كل التحيات ..
(0)
(1)
محمدعلي عوض الله
13/04/2019 في 11:57 ص[3] رابط التعليق
شكرا لك مقالاتك جدا رائعه دائما تضع النقط على الحروف. ياليت تكلم بالسناب ولو بمقتطفات ستكون لك جماهيريه من متابعين مقالاتك
(0)
(0)
غير معروف
16/04/2019 في 1:06 م[3] رابط التعليق
أشكرك اخ محمد
على مرورك ومتابعتك لما اطرح وأتمنى ان أكون عند حسن ظنكم قرائي الأعزاء فأنتم من يزفني للأبداع ..
بالنسبه لسناب يحتاج وقت ويلزمك بالمتابعه وأنا لست من هواته بالشكل المطلوب ..
لك ولجميع متبعي حرفي كل التحيات ..
(0)
(0)