نكمل القصة من حيث انتهينا :
... ولكن حاول الوصول لذلك العربي ، لأنه رأى فيه طوق نجاة يساعده في تحمل هذه الغربة القاتلة ، ولكن للأسف ضاع بين الحشود ، وكأنه غير مقدر له أن يلتقي به ، بحث وبحث ولكن ضاع وضاع معه أمله .
وقضى نهاية هذا الأسبوع وحيداً ، يسير في طرقات هذه الولاية محاولاً معرفة هويتها ومعالمها ، ويتحدث مع السكان ويجرب حفظ بعض الكلمات الإنجليزية ، ليستخدمها في تعامله مع الناس والجيران المحيطين به .
وبدأ أسبوع دراسته الثاني ، وكل هدفه فيه هو انتظار آخر محاضرة في نهاية الأسبوع ، حتى يتمكن من التعرف على ذلك العربي وكله شوق لذلك ، وقد بلغ فيه الأمل مبلغاً عظيماً فهو يرى فيه وطنه وأهله وأصدقاءه .
وحانت اللحظة التي يترقبها طوال الأسبوع ، وذهب إلى الجامعة وجلس في المقاعد الخلفية ليستطيع محاصرة ذلك العربي ومحاولة التعرف عليه .
دخل العربي القاعة فقفز الشاب وجلس قريباً منه ، وحضر الدكتور وبدأ بتحضير الطلاب المتواجدين ، ثم بدأ بالشرح والشاب عقله ليس معه وكل الذي يهمه هو انتهاء هذه المحاضرة بأي شكل من الأشكال .
وانتهت المحاضرة وبدأ الطلاب بالخروج ، وهو يخرج مباشرة بعد ذلك العربي ، وكان العربي سريعاً بخطواته سرعة غير طبيعية ، وكأنه متجه لمكان معين ، وهاهو الشاب يمشي خلفه خطوة بخطوة ، حتى حانت الفرصة فأوقفه وقال له ( السلام عليكم ) رد عليه ( وعليكم السلام ) ، فقال له من الممكن أن آخذ قليلاً من وقتك ؟ ، فأجابه تفضل وتبادلوا السؤال عن الحال وكل واحد منهم يحاول معرفة الآخر ، ويتفحصه من رأسه لساسه ، ثم اكتشف الشاب أن هذا العربي شاب خليجي فأحسّ بسعادة عارمة ، وعرض عليه الجلوس في مقهى الجامعة ، حتى يتعرفوا على بعض أكثر ، فرأى هذا الشاب أن الخليجي يأمر أحد الأشخاص بالذهاب ، ولم يرغب أن يتدخل في شؤونه وخاصة أنه تعرف عليه قبل لحظات .
ذهبا إلى المقهى وبدؤا بالتعرف على بعض أكثر ، وفي نهاية الجلسة اقتراح الشاب على الخليجي أن يسكنا سوياً ويتقاسما متاعب الغربة ، ففكر الخليجي قليلاً ثم قال موافق ، ففرح الشاب واتفقا على البحث عن سكن مناسب لهما ، ووجداه بعد عناء ، واستمرا بعد ذلك سوياً في السراء والضراء ، ونشأت بينهم صحبة ثم تحولت إلى إخاء ، ثم تحولا إلى كأنهم شخص واحد ، ووجدوا ترابط عجيب بينهما وكما يقال ( فولة واتقسمت نصين ) .
كان للشاب السعودي عادة سيئة ، وهي لا يوفر شيئ من المال الذي يرسله له والده ، ويصرفه كله على الملبس والمأكل والمنتزهات ، لكن الخليجي كان مقتصداً في كل شيئ ، وصرفه للمال بحدود وعلى الأشياء الضرورية فقط ، وكذلك السعودي يحكي عن تفاصيل تفاصيل حياته ، كبيرها وصغيرها الخاصة والعامة ، ولكن الخليجي لا يتحدث عن حياته أبداً ، إلا بأشياء سطحية ودائماً يحاول التهرب من هكذا أسئلة ، فزرعت هذه التصرفات شيئاً من القلق عند السعودي ، فهناك أمور مجهولة وجدها في ذلك الشاب الخليجي ، وغير واضحة رغم أنه كان معه واضحاً وضوح الشمس ، لكن دائماً يطرد هذه الشكوك الموجودة في رأسه ، حينما يشاهد سمو أخلاقه وحسن صحبته ورقي أخوته معه .
عاش السعودي مع هذا الشاب الخليجي أربعة أعوام ، وكانت أجمل أيام حياته رغم غموض حياة ذلك الشاب الشخصية عنه ، لكنه احترمها واحترم خصوصيته وعدم رغبته بالحديث عنها .
وحانت لحظة التخرج المنشودة ، وبعد الحصول على الشهادات ، وأصبح بين الفرقى بينهم أيام
معدودة ، وقضاها الصديقان باسترجاع بعض الذكريات ، وعبّر كل واحد منهم عن مدى صعوبة البعد عن الآخر .
وفي المطار وكل واحد منهما متجه لبلده ، تعانقا وتعاهدا أن يبقى الود والحب والأخوة بينهما ، وكانت في تلك الأيام وسائل التواصل فقط رقم هاتف المنزل ، لذلك كتب السعودي عنواناً مفصلاً لبيته من المطار إلى المنزل ، بشرح الطرقات والشوارع وكما يقال بالتفصيل الممل إضافةً لرقم هاتف المنزل وأعطاها لذلك الشاب الخليجي حتى يستطيع الوصول إليه بكل يسر وسهولة .
ولكن جاءت صدمة جديدة لذلك الشاب السعودي ، حيث أعطاه الخليجي كرت صغير وغير واضح لعنوانه ، وعندما ركب كل واحد طائرته ، دار في بال السعودي سؤال جديداً ، لماذا لم يعطني عنواناً أوضح ؟ ، وأنا اعطيته العنوان بالتفصيل الدقيق ، هل يريد قطع الصداقة أم ماذا ؟ ، وهل هو ناكر للعشرة ؟ ، وهل صحبته لي صحبة وقتيه ، وانتهت بالنسبة له ؟ وبقي طوال الرحلة يفكر بهذا الموضوع وهو لايدري بأن هناك صدمات جديدة تنتظره .
انتهى الجزء الثاني .. نلتقي بإذن الله مع الجزء الثالث .