ناقشت الجلسة الحوارية التي أحتضنتها قاعة المحاضرات بمركز حي الملك فهد ( الإسكان ) بمكة المكرمة جوانب متعددة عن المسرح السعودي ، حيث شارك فيها المؤلف والكاتب ناصر بن محمد العُمري وأدارها رئيس اللجنة الثقافية بنادي مكة الأدبي الأستاذ مشهور الحارثي وحضرها مدير المركز الدكتور نجم الدين أنديجاني ، والرئيس التنفيذي لمركز حي الأسكان محمد نصر الدين هوساوي .
حيث بدأت بتقديم مديرها للضيف مستعرضاً سيرته المسرحية ، ثم تحدث الضيف عن المسرح السعودي منطلقاً من الصورة الذهنية عنه قائلاً : المسرح في المملكة يأتي كأحد أبرز النشاطات الثقافية في ومع هذا فالصورة الذهنية عنه غير حقيقية حيث يعتقد البعض أنه متواري وضعيف الحضور وقليل التأثير ، مضيفاً هذه الصورة مغلوطة تدحضها الوقائع فالمسرح السعودي يقف بقوة وفي آخر عامين حصد أكثر من ٨٠ جائزة دولية وبعض العروض أحدث إنقلاباً وشكّل ثورة حقيقية في المهرجانات التي شارك بها وترك إنطباعاً ممتازاً لدى النقاد والمتابعين ونجوم المسرح العربي .
ويرى ” العُمري ” أن المسرح السعودي حاضر منذ حين في المشهد عبر الأشكال المختلفة والظواهر كالحكواتي والسمّار والتقليد والطقوس وحتى المشاهد التمثيلية التي كانت تقدم في بعض القرى في مناسبات الزواج كما يشير إلى أن بعض المصادر قالت أن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه حضر عرضاً مسرحياً بعنوان ( حوار بين جاهل ومتعلم ) عام ١٩٢٨هـ في القصيم .
كما تحدث ” العمري ” عن ريادة منطقة مكة مسرحياً من خلال تجربة الشيخ أحمد السباعي والإكراهات التي احاطت بها والآثار التي ترتبت على ذلك داعياً لقراءة آثار تلك المحطة التاريخية وانعكاساتها على صورة المسرح سلباً
وما تركته في وعي المسرحيين من إصرار نرى أثره اليوم في الفعل المسرحي المتنامي .
كما يرى ” العُمرى ” أن وجود مهرجان الجنادرية الوطني ساهم في الترسيخ لفعل مسرحي ناضج مثمّن دور ( محمد المنصور ) في وجود المسرح السعودي في بداياته وحضوره ضمن نشاطات الجنادرية .
وأشار إلى مهرجان الدمام المسرحي والذي يعدّ ثاني أكبر المهرجانات المحلية ، معرجاً على اشتغالات (محترف كيف ) بقيادة المسرحي ياسر مدخلي كتجربة تتميز بمنهجيتها مثمناً إختلافها بالجمع بين ممارسات عدة منها ماهو مسرحي ومنها مايستثمر الإعلامي والإجتماعي والبحثي والتدريبي لتحريك ركود المسرح .
وأبدى ( العمري ) إعجابه الشديد بما قدمته ورشة الطائف ومشروعها الثقافي من إشتغالات مسرحية وعروض فكرية مميزة ( المبتكر المسرحي فهد ردة الحارثي) بدا واضحاً من خلال الجلسة أن ناصر العُمري ينظر إلى فهد الحارثي كإيقونة مسرحية ، مشدداً على نجاحه في خلق شكل مسرحي له ملامحه ( ذكي ، طريف ، مثقف) مؤكداً أنه يحضر كنقطة فاصلة في تاريخ المسرح السعودي كونه وضع بصمة للمسرح السعودي وصعد به إلى منصات التنويج ووصفه بـ( المبتكر المسرحي) بالنظر إلى توجهه نحو صناعة نصوص ( تفاعلية)مثل نص الفيسبوك.
وأشار إلى ( المسرح بوصفه فعل إجتماعي ) وكيف أن هذه المجموعة تحقق تلك الرؤية فغدت حاضنة تُفيد من المعطى التقني وتطبيق ” الواتس أب ” في خلق حالة مسرحية مدهشة ومن خلالها يلتقي المسرحيون العرب يومياً مستعرضين تجاربهم ويطرحون تساؤلاتهم وفق جدول معد سلفاً ، مستعرضاً أبرز برامجها مثل لقاء الشهر ، وبرنامج صورة وقراءة كتاب والمقال المسرحي وماتثيره تلك البرامج من حواريات مسرحية ونقاشات إثرائية تشبه مايحدث في الجلسات النقدية في المهرجانات المحلية والعربية .
وجاءت الإضاءة الآخيرة حول العرض المسرحي ( تشابك ) كنموذج للعروض المسرحية التي جمعت بين الاحترافية والجمالية الفنية ملقياً الضوء على ماقدمته من جماليات وماحققته من تميز وماقيل عنها من قبل بعض النقاد وعن المشاركين فيها ، أما المداخلات فقد جاءت مكثفة لتصنع حواراً موازياً للجلسة وكشفت عن وجود تعطش لهذا الفن .
وفي تعليقه على مداخلة الشاعر خالد قماش عن غياب المرأة عن المسرح أشار (العُمري) إلى أنه ينظر لهذه المسألة من زاوية فنية بحتة ( هل وجودها يضيف للعرض أم هو حضور للتواجد) ومشيراً إلى أن هناك عروض عالمية غابت عنها المرأة لعدم وجود ضرورة فنية تستدعي حضورها مؤكداً أكد أن صراع التيارات ألقى بظلاله على هذا الموضوع ، وهو مادعا رئيس تحرير صحيفة مكة عبدالله الزهراني للتداخل بقوله أنه يتوجب على المسرحيين أن لايستفزوا الأطراف الأخرى بطرح وفرض مايتنافى مع توجهات المجتمع ومايؤمن به من قيم .
وأكد ” العُمري ” أن المدرسة بكافة نشاطاتها وأساليبها تعاني من واقع يقصيها عن دورها مستشهداً بالاقبال على اللودو ستار وعلى البوكيمون بشكل يجعل أي نشاط آخر لايصمد أمام هذا الواقع لكنه أشار إلى أن المسرح يستطيع إحتواء مختلف الفنون وتسخيرها لمصلحته متى وجد من ابنائه من يستطيع إدماج التقنية ومعطياتها لصالح الفعل المسرحي ، لكنه عاد وحمل وكالة وزارة التعليم للمناهج مسؤولية عدم اعطاء المسرح مايستحقه من مساحات في موضوعات المقررات الدراسية للحديث عنه بتوسع كما يليق بالسيد النبيل على حد وصفه .
وأشار العُمري إلى أن شيوع الثقافة الإلكترونية جعل رواد المسرح يتجهون نحوها عبر نظريات وممارسات ونصوص اتخذت من هذا العالم ميداناً لها مشيرا إلى صدور كتاب عن مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي لأنطونيو بيتزو بعنوان ( المسرح والعالم الرقمي .. الممثلون والمشهد والجمهور) وتحدث فيه عن مسرح الحاسوب والممثل الرقمي والعرض الافتراضي مروراً بمسرح الإنترنت وعروض الأونلاين و التجريب المسرحي الرقمي ومايعرف بالعرض الكوني .
وأضاف هذا يؤكد أن المسرحيين يملكون القدرة على التناغم مع المتغير كما يؤكد أن هناك رهانات على تحولات في بنية العروض تستوعب هذا المتغير .
وفي ختام المداخلات شكر الدكتور نجم الدين الانديجاني ” العمري ” على هذا الإثراء وحرصه على خلق حوارات حول المسرح ، وأضاف أن ذكريات المسرح لا يُنسى ويبقى خالداً في الذاكرة بتفاصيله ،واختتم اللقاء بتكريم المحاضر ومدير الأمسية ومنسق اللقاء الاستاذ علي الزهراني .