لم تأتي مقولة ( مزمار الحي لا يطرب أهله ) من فراغ إنما هي نتاج وظاهرة اجتماعية منذ عقود وأزمنة قديمة، فمهما كان مايقدمه القريب من إبداع وتميز فإنه يُنظر إليه من قبل المقربين بأنه أمر عادي جداً عكس ما يقدمه الغرباء، فهم يرونه إبداع وتميز وظاهرة أدبية أو مهنية لا يُحسنها غيره.
فكم من القصص التي نسمع عنها بل نشاهدها في حياتنا اليومية، من تجاوز المبدعين لدينا عن إصرار وجحود لهم لإعطاء فرص واسعة للآخرين، قد يقلون عن مستوى أبنائهم الفكري والأدبي والمهني في أي مجال، ليكون لهم المساحة الكبيرة ليطورون أنفسهم رغم فشلهم، أو قلة أدواتهم، ثم تُعطى لهم الفرصة تلو الفرصة ليكون إبداعهم وظهورهم على حساب أقربائهم، وها نحن نرى ذلك بالعين المجردة بشكل ملاحظ ودؤوب.
لعل أحد أسباب هذه الظاهرة هو تعودهم على هذا المبدع ومعرفة قدراته، ولربما تاريخه أيضاً ، فيرون مايقدمه أنه أمر عادي وليس خارجاً عن العادة ، هذا إذا سلمنا بسلامة القلوب بعيداً عن الحقد والحسد، بسبب مايتميز به عن أقرانه أو بيئته ومجتمعهم، فيكون ذلك بالتقليل من شأنه فيمارسون عليه محاولة تجاهله وتفضيل الآخر عليه مما يساهم في تدمير المتميز القريب ذاتياً، ليبحث عن ذاته لدى الغرباء والبعيدين عن بيئته.
أعتقد و من وجهة نظري ككاتب لهذا المقال أن المجتمع هو من يساعد في تحطيم وذبول المواهب والمبدعين القريبين منهم، ومحاربتهم لهم حتى لا يكون هو الأفضل على الأقل في المحيط الذي يعيشون فيه، فلذلك ينظرون إلى البعيد بأنه أكثر تميزاً وقبولاً لديهم، ويساهمون في دعمه وموأزرته ويتعمدون ذلك لتحطيم مواهبهم من الداخل وهم لايشعرون، وخصوصاً المبتدئين الذين هم بحاجة إلى الدعم والتشجيع والمساندة، ليكونوا أكثر إبداعاً وتميزاً ، ومن المهم أن ندرك جميعاً بأن من أهم الحوافز التي تساهم في مسيرة المكافح والمتميز هو الدعم الأساسي من الأهل والأقرباء والأصدقاء، فعندما يحصل على التشجيع اللازم فإن ذلك يساهم في إبداعه وتطويره، وزيادة ثقته واعتزازه بنفسه وبمجتمعه.
الذي أرجوه من المجتمع والأقرباء هو إظهار الاهتمام والتقدير لإنجازات أبنائهم وإعطائهم الفرصة والدعم لتحقيق مسيرتهم ، فإنما ما تقدمونه لهم يرونه بأعينهم وقلوبهم، ويمنحهم الشعور بالتميز مما يجعلهم مبدعين دائماً، ومسيطرين على مشاعرهم ويزيد من إنتاجهم وتفوقهم ، فدعم القريب إحساس بالمسؤولية و ثقة بالنفس.
بقلم : عائض الشعلاني.