في مرحلة متأخرة من العمر تسمى خريف العمر، وهي مرحلة حساسة يمر بها الإنسان، فيكون ضعيفاً بعد أن كان قوياً يصول ويجول ويقرر ويوافق ويمتنع على حسب مايراه في فترة من فترات حياته ، فتتراجع لديه القوى الجسدية بناءً على تقدمه في العمر وما يصاب به بسبب الكبر والعجز والتراجع عن كثير من الأدوار الإجتماعية في مرحلة ما من العمر ، وهذا نتاج طبيعي لكل بني آدام قال الله تعالى :"الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير".
فعندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من العمر فإنه يفتقد الشغف والاهتمامات اليومية في هذه الحياة وممارسة الأنشطة المعتادة، كما كان من قبل فيصعب عليه ماكان سهلاً فيما مضى فيقل اهتماماً بتلك الحياة، ولم يعد يُلقي لها بالاً ولا لتطوراتها وما يتبعها من زينتها فتتساوى لديه إقبالها وإدبارها، مما ينتج عنها العزلة والابتعاد عن الناس ، والتجاهل والنسيان من قبل المجتمع والأهل والأحباب فتقسوا عليهم الحياة، فتجعل من حياتهم أكثر معاناة وتحدي بسبب قلة الاهتمام، وتركهم يصارعون الحياة وظروفها لوحدهم دون مساعدة من الأهل الأقرباء، والجفاء والنكران الذي يلاقونه من المجتمع، بسبب عدم احتواء كبار السن ومراعاة أحوالهم.
فأَثرُ ذلك على حالتهم النفسية، " مفجع وأليم " لأنهم يشعرون بعدم أهميتهم ويرون بأنهم أصبحوا عالة على مجتمعهم، مما يُفقدهم القدرة على التعايش بهدوء وباستقرار نفسي، لانشغال الأقارب عنهم وإحساسهم بأنهم غير مقبولين مجتمعياً ، ولربما تعاني هذه الفئة صعوبات في التكيّف مع هذا الجفاء والجحود، لمآثرهم وخدماتهم السابقة ، مما يجعلهم تحت وطأة العوامل النفسية، وسهولة انقضاض الأمراض والهموم عليهم بسبب بعُد الأهل ولانشغالهم في معترك الحياة، غير آهبين بأحوالهم وما يعانونه بسبب الوحدة والفراغ، وقضاء كل أوقاتهم على سررهم وبين أربعة جدران لا يرون أحداً ولا يشاركهم من يستأنسون بقربهم ومعهم كالأبناء والأحفاد .
وحتى تتقلص تلك الأثار النفسية عن هذه الفئة فإنهم بحاجة ماسة إلى الحنان والحب والاهتمام بهم، ومراعاتهم ورعايتهم وإشراكهم في الحياة العامة، وإخراجهم من ضيق الغرف والأحواش إلى الساحات العامة، كالمهرجانات والحدائق والأسواق والفعاليات التي تقام هنا وهناك ليرون العالم من خلال نوافذ أخرى، يشاركون بها الآخرين ليستعيدوا الثقة في أنفسهم وترتفع معنوياتهم ويشعرون بقيمتهم من خلال التواصل معهم، وزياراتهم وإشراكهم في قضاياهم ولو بشكل صوري ، كالمشورة في موضوع معين من باب إحساسه بقيمته الاجتماعية والعائلة، وحتماً سيكون لها أثراً إيجابياً مما يحسن من أحوالهم العامة.
كما يقع على المجتمع بشكلٍ عام دوراً مهماً بتوفير بيئة متوازنة، كمراكز ترفيهية ورياضية لممارسة أنواع من الإنشطة الرياضية التي تحسن من صحة أجسادهم ومعنوياتهم في الهواء الطلق وصالات مغلقة في حالة التغيرات المناخية وأعمال توعوية ودينية لمساعدتهم في تحسين الحالة النفسية والجسدية لديهم .
ولضمان حياة كريمة لهذه الفئة فمن الضروري التعامل معهم باحترام وتقدير، وببساطة ولباقة واهتمام تُشعرهم بالسعادة، كما يمليه علينا الشارع الحكيم، والجميع يعرف بأن هذا مصيرنا عندما يعيش بعضاً منا ليصل إلى هذه المرحلة من العمر، وبطبيعة الحال أن مثل هذه الحالات ليست مرحلة نهائية، إنما هي مرحلة من مراحل العمر فمن الضروري أن نقدم لأنفسنا اليوم ماقد نحتاجه من الأهل والمجتمع غداً.
بقلم : عائض الشعلاني.
التعليقات 1
1 pings
ابو عبدالله
02/01/2025 في 4:14 م[3] رابط التعليق
مقال جميل ..اشكرك على الطرح الراقي