في صيف عام ١٣٧٤ هجرياً ، أحسن ذلك الصبي عباس سلامة . يبلغ من العمر عشر سنوات وزد قليلاً .. أحد سكان حاضرة الطائف يورد وصفاً عن مظاهر الحياة الاجتماعية في مدينة الطائف ، أحد مصايف المملكة ، وتاج المصايف ، وعروس السياحة السعودية .. درة محافظات منطقة مكة المكرمة .. وغادة السراة ، وثغر السروات ، وموطن حضارة ، وملتقى القوافل التجارية القديمة ، والأدب والشعر في سوق عكاظ ، واستعدادهم في استقبال عيد الفطر المبارك ، سرد وصفاً جميلاً عن هذا الاستعداد بلهجته المحلية العامية أقرب للهجة حاضرة الطائف ومذكراته عن الحياة الاجتماعية في الطائف قبل سبعين عاماً .. نوردها بتصرف في منأى عن اللهجة المحلية كما يلي :
اليوم الإثنين أول يوم من أيام شهر رمضان الكريم اذاع المذياع الرسمي للدولة دخول شهر رمضان الفضيل ، وبدخوله عّم الفرح البيت ، وارتفعت التكبيرات بالمساجد ، وتدافع الناس على المساجد لصلاة الفرض والتراويح . نسأل الله ان يعيننا على صيامه وقيامه، بدأ رمضان هذه السنه مع بواكير الحماط والبخارا والتوت.
اليوم الأربعاء الثالث من شهر رمضان، نزل مع والده وإخوانه إلى خان الملطاني، وذهبوا للخياط (عّم حميدو) وفصل كل واحد منهم ثوب وسروالين للعيد.
اليوم الخميس ٤ رمضان نزل والدهم للسوق يصلى التراويح في مسجد الهادي ويجيب فواتير أقمشة الحريم لأمه وخواته من أجل يختاروا القماش اللي يفصل منه كرت ( أثواب نساء )، وسراويل، وسداري، ومقانع، وكيبان للعيد.
ويشير انهم ليس كالخارج .. سمعوا ان الحرمة تروح السوق بنفسها والعياذ بالله.
اليوم السبت ٦ رمضان أرسلته أمه بالقماش اللي اختاروا بعد ما جابوا (فتو) تخيط لهم القماش من أجل أن يخلص قبل العيد، وقالت يكلف أربع ريالات وثلاث أرباع.
أمس يوم الجمعة بعد ما رحنا نصلي الجمعة ١٥ ، رجعنا من صلاة الجمعة ، لقينا أمنا وخواتنا لفو الجلايل، ودهنوا قزاز البيت والمرايات بالنشا والماء، وغطوا العفش بالشراشف البيضاء.
اليوم ١٦ رمضان جاب والده الثياب والسراويل من الخياط، واشترى لهم عمائم ، وكوافي - طواقي - وكمان سمايد بيضاء ( غتر ) ومداس - أي أحذية - واشترى زيهم ، وجاب حاجة لأمه لا يعلم ماهي ؟.
اليوم ٢٥ رمضان نزل السوق مع والده ، وكان كل الناس هابين على حلاوة العيد، والزيتون، والأشار وسمع (عّم صمدوا) ينادي: يا رجال قوم بالله عليك قوم واشتري مني حلاوة حلقوم، لا تفوتكم الحلاوة اللوزية، وعم (ناجي) النقلي اللي يبيع حوائج الدبيازه يقول: هنا القلادة والزبيب يا مصلي على الحبيب.
ما حصلوا جبنة بلدي طيبة ، ووصى والده عّم خضر القرشي يجيب جبنه غنمي جديدة غداً .
اليوم ٢٦ رمضان جاب والده رجالين، شكلهم يمنيين، وصاروا يضربوا السجاد بالعصي من أجل ان يطيح منها الغبار وتنظف، وقلهم تخلصوا قبل الفطور من أجل الليلة ليلة القدر ويبغي يصلي التراويح والتهجد في مسجد سيدي عبدالله بن العباس.
اليوم ٢٧ رمضان أرسلت أمه (الصفر والنحاس) السمور، والدلال، وتباسي الشاهي النحاس وأشياء ثانية إلى (عبدو) ملمع الصفر من أجل أن يجليها.
اليوم ٢٩ رمضان أمه وخواته نظفوا البيت، ونقلت (ستيتا) الجلايل والمساند اللي تنظفت من مكانها الأول إلى مكان ثاني، لما يجيهم أحد يحس (يعني) أن فرش البيت تغير.
وعرج بالقول بيت عمي في هذا العيد نجدوا المساند كلها، واشتروا جلالتين وثلاثة حنابل من أجل العيد، ما شاء الله عليهم فلوسهم اكثر.
أعلن مذياع الدولة ثبوت دخول شهر شوال ويعتبر يوم الأربعاء غداً أول أيام عيد الفطر المبارك وحلقت الأسرة حول المذياع لسماع كلمة وتهنئة الملك سعود لشعبه والأمتين العربية والإسلامية بصوت جهور ومخيف .
اليوم الأربعاء أول العيد ذهبنا (أنا وسيدي واخواني) مع والدنا للمشهد، وكانت أمه وخواته في البيت يجهزوا الجبنة، والزيتون، والأمبا، والأشار، والزلابية، والدبيازه، وبعد ما رجعنا أعطته أمه دبيازة ومعمول وديتها ( ذهب بها ) للجيران، وأعطوه الجيران قرص مله ، وبعد ما افطرنا ذهبنا لزيارة ومعايدة عماني وخلاني ( أعمامه وخواله ) وبيت جده.
واستطرق قائلاً : الحريم ما يروحوا للمشهد، سمع في مكة يروحوا.
ويكتب وهو تعبان في المغربية بعد ما رجع للبيت وبنام بعد العشاء على طول لأنه هذي هي الليلة "اليتيمة"، وهي الليلة الوحيدة من ليالي العيد الثلاث اللي ينام فيها كل الناس من بعد صلاة العشاء على طول.
٢ شوال ١٣٧٤ أخذ اخوانه الصغار يلعبوا مراجيح في برحة الزرقي، وجلس سيده - جده - مع والده لاستقبال المعيدين، ويعطوهم عصير الزبيب، والشربيت، والتوت، ويمكن بعضهم يعطوه قهوة ومعها هريسة، والا دبيازة، ولبنية.
انتهت يوميات (عباس سلامة ) عند اللبنية وكان الصبي الطائفي، بما أورده فتح باب جديد من المعرفة، وعرفنا على أسلوب للحياة الاجتماعية بالطائف فيما مضى من زمن حقبة تاريخية تستحق تدقيق النظر والبحث والدراسات الاجتماعية من قبل الجامعات وبالذات جامعة الطائف .. هذا يدل دلالة قطعية على قوة التعليم بالطائف وتميزه التي جعلت الصبي يصف ويعبر هذه المظاهر للحياة الاجتماعية لأهالي الطائف والفضل يعود لوجود معلميه أكفاء دفعت بالصبي يفصح ويعبر ويصف واقع مجتمعه ومحيطه بالطائف مع صغر سنه مقارنة بالوضع الحالي والرهن .
مذكرات عباس سلامة ، ( كشفت ان الناس تستعد للعيد في لبسها وفي بيوتها، وتأكل حلاوة وجبنة فيه، اما نحن نتسأل عما تحلنا بطونا في العيد، اقرأ ما قاله : عباس سلامة ما فيه شحم ولحم، وجريش ومرقوق، فيه شيء اسمه دبييييييازه). أنتهى ما أورده هذا الصبي من وصف الحياة الاجتماعية في أم المصايف ، والسياحة والبلاغة والشعر .. فقد أحسن الوصف والتعبير ، وإيصال الفكرة .. وشكرنا الجزيل والأجزل لعباس سلامة إن كان حياً وإن كان ميتاً يرحمه الله رحمة واسعة .