هناك من الأشخاص فيما نعتقد لا يدركون ما يلعبه التسامح من إيجابيات على المحك السلوكي والأخلاقي والأدبي، ومن ذلك مثلاً كسب مودة الأخرين، وبناء العلاقات الطيبة والوطيدة معهم، وفوق هذا وذاك النيل من أجر ومثوبة الله القائل في محكم كتابه العزيز( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) ولذلك غالباً ما تجدهم يشعرون بالتوتر والقلق ويقعون في وحل المشاكل والنزاعات مُعتبرين التسامح انكسار وهزيمة وأن القوة تكمن في الانتقام بخلاف ما نص عليه القرآن الكريم بقول الله تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) أما تعريفه فهو مشتق من كلمة سمح أي جاد وأعطى بسخاء، والشيء جعله ليناً وسهلاً، وسامحه أي تساهل معه، ووافقه على طلبه، فالتسامح من هذا المنظور يُعد من أنجع وسائل تقارب القلوب ودفعها لمزيد من التآخي والتآلف والتعاون، علاوة على صفاء الذهن والتخلص من الانفعالات الزائدة والأفكار السيئة المترسبة في الذاكرة والوجدانيات، بالإضافة للتوافق النفسي وبناء الثقة والشعور بالسعادة والمساهمة في حل المشكلات والتعايش السلمي مع مجتمعات مُختلفة، في أفكارها وقيمها الاجتماعية ومعتقداتها الدينية وهو ما يقطع بهذه الخطوة دابر الخلافات والصراعات وشن الحروب وما يترتب عليها من تكبد مشاق وخسارات فادحة تُطال الجميع ناهيكم عما يُهيؤه التسامح وهو على هذا النحو من فرصة ممكنة لدخول كثير من هؤلاء الناس في الإسلام، دونما إكراه امتثالا لقوله تعالى ( لا إكراه في الدين ) وفي القرآن الكريم، آيات كثيرة تدعوا وبمعاني أخرى للتسامح كقوله تعالى( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وقوله أيضاً ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) حيث يعني العفو تجاوز العقوبة أو المعاملة بالمثل، بينما الصفح يعني الإعراض عن اللوم والتوبيخ. أما المغفرة فتعني ستر العيوب وإخفاؤها، فيما أجمع علماء اللغة على أن العفو عادة ما يكون عن الظالم، والصفح عن الجاهل، والمغفرة للمُسيء. وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي رحمه الله: لما عفوت ولم أحقدْ على أحد * أرحتُ نفسي من هَمِّ العداواتِ * إِني أُحَيِّ عدوي عند رؤيتِه * لأدفعَ الشر عني بالتحياتِ، أما أحد المفكرين الغربيين فقد قال: ليس الهدف من التسامح تغيير أشخاص بذاتهم، بقدر ما هو تغيير في الأفكار المتناقضة والسلبية بدواخل عقولنا، إلى أن قال: وأن التمسك بالأفكار الانتقامية، وكبت الحب والعطف في نفوسنا سيؤثر قطعاً على صحتنا، وعلى جهازنا المناعي، ولذلك ما أحرى بأي شخص أن يجعل من راحة البال هدفه الأول، ومن يقرأ سيرة الأنبياء والرسل عليهم السلام يجد فيهم من السماحة والصفح الجميل ما جعلهم يتخذون كل السبل الممكنة، ويصبرون ويتريثون من أجل دعوة أقوامهم لعبادة الله وحده والخلوص له من الشرك، مُشيرين في ذات الوقت إلى أن هيئة الأمم المتحدة قد أقرت عام 1995م يوماً عالمياً للتسامح يوافق 16نوفمبر من كل عام، ووضعت له أسس ومبادئ ثابتة ينطلق منها، وجائزة مالية لتعزيز مفاهيمه السامية بين كافة شعوب الأرض، تُمنح لمن يقوم بمبادرة متميزة، كل سنتين وسط إحتفال رسمي يُدعى إليه معنيون بهذا الأمر، ومع أن التسامح له عظيم الأثر الطيب في حياة عموم الناس إلا أنه من زاوية أخرى غير محمود العواقب في حالة تكرر الإساءة أو الظلم والاستغلال، وهذا ما أكد عليه فقهاء أمة الإسلام من أن مُسامحة الأشخاص من ذو السوابق يزيد من تمردهم وطغيانهم، ولذا يتوجب مواجهتهم ومحاسبتهم على أفعالهم المشينة ومن ثم توقيع العقوبة الشرعية أو النظامية بحقهم لكي لا يقتدي بهم أحداً من أصحابهم وأقرانهم، أما من يُسيئون للذات الإلهية بأي صورة كانت أو يتطاولون على الأنبياء والرسل ومن بينهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وزوجاته العفيفات الطاهرات وصحابته الغر الميامين رضوان الله عليهم أجمعين من سب وشتم وقدح واستخفاف، فهذا يستوجب توقيع العقوبة المُغلظة عليهم دونما هوادة، ومثلهم من يُمارس الرذيلة، وهتك الأعراض وقتل الأنفس البريئة أو يتعاطى المخدرات أو يقوم بترويجها أو يثير القلاقل والفتن ويتعمد التخريب والإضرار بوحدة الوطن وبمقدراته أو يسعي في الأرض فساداً امتثالاً لقوله تعالى ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) ولأن الشيء بالشيء يُذكر فقد قام شاب يافع في أحد السنوات الماضية باقتحام منزل مُجاور كان ساكنيه خارجين في نزهة برية لهدف سرقة ما قد يتوافر فيه من مجوهرات ثمينة وبعدما سمع صوتاً تسلل إليه من أحد النوافذ هرب مسرعاً تجاه الباب الخارجي للسور، فإذا به يقع فريسة في يد صاحب المنزل والذي بعدما عرفه لمجرد رفع اللثام عن وجه وليس بحوزته مما نوى سرقته، أخبر والده بما حصل منه، وسامحه في لحظتها تقديراً لرابطة الجيرة فيما بينهما، غير أن هذا الشاب لم يُقدر هذا الموقف النبيل لجارهم، ليندفع مرة أخرى لتكرار ما حدث منه سابقاً تحت جُنح الظلام ليسرق ما شاء داخل هذا المنزل ثم يهرب، فلو تمت معاقبته منذ البداية لما تكرر منه هذا الفعل الشنيع نهائياُ، فالتسامح بقدر ما يُعد من فضائل الأخلاق الكريمة إلا أنه من غير الصواب الأخذ به عند الاخلال بالأمن والنظام والقتل، والتزوير والأمور المحرمة شرعاً استناداً لقوله تعالى ( وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) هذا ما أحببنا تبيانه حول التسامح والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
بقلم عبد الفتاح أحمد الريس.
- متحدث الأرصاد: 1 يونيو المقبل يبدأ فصل الصيف.. وترتفع درجات الحرارة كلما اتجهنا شرقًا
- وزير الخارجية يصل البحرين للمشاركة في الاجتماع التحضيري لمجلس الجامعة العربية
- القنصل العام في لوس أنجلوس يدعم المنتخب السعودي المشارك في “آيسف 2024”: كلنا واقفين معكم
- انطلاق ورشة العمل الدولية للإدارة المتكاملة للحد من فوران حشرة الجندب الأسود
- القبض على مواطن لترويجه 11 ألف قرص من الإمفيتامين بعسير
- ضبط كويتي من الأسرة الحاكمة يزرع الماريجوانا بمنزله.. والداخلية: لا أحد فوق القانون
- “السديس”: “لا حج بلا تصريح” جاءت وفق مقتضى النصوص الشرعية والمقاصد المرعية
- أمير الباحة يستقبل المرشدين والمرشدات السياحيين المعتمدين في المنطقة
- رئيس مركز الهويدي يطلق مبادرة السعودية الخضراء
- “الصنيدح”يترأس اجتماع لجنة السلامة المرورية بمحافظة الحائط
- ضبط مخالف لنظام البيئة لاستغلاله الرواسب في حائل
- سيناتور أمريكي يقترح ضرب غزة بـ«النووي».. وحماس تعلق
- أنواع لتقنيات تجميد الأجنة.. واستشاري يوضح أسباب استخدامها
- 17537 قراراً إدارياً بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال شوال
- نائب أمير مكة يؤكد: لا حج بدون تصريح والأنظمة بالمرصاد لكل المخالفين
عبد الفتاح أحمد الريس
الـتسامح برؤية حصيفة وثاقبة
17/11/2023 12:15 ص
عبد الفتاح أحمد الريس
0
707251
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3576421/