
في ليالي رمضان، حيث تمتزج الروحانية بعبق الذكريات، تعود بنا الأحاديث إلى زمن مضى لكنه لا يزال حيًّا في القلوب. نستلهم من الماضي رونقه، ونستحضر أيامًا نقشها الزمن بحروف من ذهب، حيث كانت الأجواء الرمضانية تحمل طابعًا خاصًا، وكانت المجالس ملتقى للأدباء والمفكرين والصحفيين، تفيض بالحديث عن الشعر، والإعلام، وقيم المجتمع الأصيلة.
في هذا السياق، نلتقي اليوم بشخصية صنعت حضورها في المشهد الثقافي والإعلامي، وسجلت اسمها بأحرف من نور في تاريخ الصحافة والشعر في المملكة. ضيفنا هو الشاعر والإعلامي مهدي بن عبار العنزي، الذي حمل في سيرته العطاء الوطني، والإبداع الأدبي، والمواقف الإعلامية التي أثرت المشهد الثقافي لسنوات طويلة.
وُلد العنزي في الرياض عام 1953م، ثم انتقل إلى جدة، حيث تلقى تعليمه في المعهد الوطني ومعهد التيسير ومعهد الصحافة، مما مكنه من خوض غمار الصحافة والإعلام بوعي وإدراك، إلى جانب تفوقه في عالم الشعر. خدم الوطن في مواقع متعددة، وعاصر عددًا من ملوك المملكة، وكان شاهدًا على مراحل تطورها ونهضتها. كما أن له بصمة في المجال الأدبي، حيث تميز شعره بالبساطة والعمق والتعبير الصادق عن القيم الاجتماعية والوطنية.
في هذا اللقاء، نفتح معه صفحات من ذكريات رمضان، ونتحدث عن تجربته في الصحافة، وكيف أثر الشهر الفضيل على مسيرته الإبداعية، وما يحمله من دروس ورؤى مستخلصة من عقود من العمل والعطاء.
س بداية، نرحب بك أستاذ مهدي في هذا اللقاء الرمضاني، ونود أن تحدثنا عن ذكرياتك في ليالي رمضان خلال طفولتك وشبابك؟
ج / أهلًا وسهلًا بكم، وسعيد بهذا اللقاء الذي يعيدني إلى زمن جميل، حيث كان رمضان يحمل نكهة مختلفة تمامًا عن اليوم. كنا نعيش البساطة في كل شيء، وكانت الفرحة تغمر الجميع. كنا ننتظر مدفع الإفطار بشوق، ونجتمع حول مائدة واحدة، تسودها الألفة والمودة.
أما السحور، فكان بسيطًا لكنه عامر بالخير، وغالبًا ما كنا نكتفي بـ التمر والحليب أو الخبز والقهوة. كان لصوت المسحراتي نغمة خاصة، توقظ النائمين وتضفي على ليالي رمضان سحرًا لا يُنسى.
وفي شبابي، كنت أقضي ليالي رمضان بين الصحافة والشعر، حيث كنا نجتمع في المجالس الثقافية ونتبادل الحوارات حول الأدب والفكر، وكان رمضان فرصة للتأمل والعودة إلى الذات بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية.
س كيف أثرت الأجواء الرمضانية على إبداعك الشعري؟
رمضان شهر يحمل في طياته روحانية وصفاء نفسي، وهذا بلا شك ينعكس على إبداع الشاعر. خلال هذا الشهر، كنت أجد نفسي أكثر انسجامًا مع الكلمة، وأكثر قدرة على التعبير عن المشاعر الصادقة.
كتبت في رمضان العديد من القصائد التي تناولت قيم الإيمان، والصبر، والرحمة، كما أن أجواء المساجد وصوت القرآن الكريم والابتهالات كانت تلهمني لصياغة صور شعرية تحمل معاني إنسانية عميقة. رمضان هو فرصة للشاعر كي يصفّي ذهنه ويغوص في أعماق ذاته، وهذا ما كان يحدث معي دائمًا.
• بحكم عملك في الصحافة والإعلام، كيف كان رمضان يمر على الصحفيين في تلك الأيام؟
العمل الصحفي لا يتوقف في رمضان، بل ربما يزداد زخمًا، خصوصًا مع تغطية الفعاليات الدينية والاجتماعية التي تملأ لياليه. كنا نعمل في مكاتب الصحف حتى أوقات متأخرة، وأحيانًا لا نتمكن من الإفطار في المنزل بسبب ضغط العمل، فنلتقي كزملاء في مقر الصحيفة، حيث تتحول بيئة العمل إلى جلسة عائلية.
كان هناك إرهاق، لكن الشعور بالمسؤولية تجاه نقل الخبر وإيصال المعلومة كان يمنحنا طاقة لمواصلة العمل. ومع مرور الزمن، تغيرت طبيعة الصحافة، واليوم أصبح العمل أكثر سهولة مع التطور الرقمي، لكن لا يزال للصحافة التقليدية نكهتها الخاصة التي نفتقدها.
• عاصرت عددًا من الملوك السعوديين، كيف تصف تجربتك في خدمة الوطن خلال هذه الفترات؟
تشرفت بأن أكون شاهدًا على مراحل مهمة من تاريخ المملكة، فقد عاصرت عددًا من الملوك، بدءًا من الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله – وصولًا إلى الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله –.
كانت تجربة غنية تعلمت فيها الكثير عن القيادة، والعمل الوطني، وخدمة المجتمع. شرفت بالعمل في مواقع مختلفة، وكنت جزءًا من النهضة الإعلامية والثقافية، وساهمت في توثيق التحولات التي شهدتها المملكة خلال العقود الماضية. المملكة اليوم تعيش مرحلة ازدهار غير مسبوقة، وهو ما يجعلني فخورًا بأنني كنت جزءًا من هذه المسيرة.
• لديك أبناء احترفوا المجال الفني؟
الإبداع موجود في العائلة، فالفن والشعر متوارثان، لكن لا يوجد من احترف الفن بشكل كامل حتى الآن. أرى أن كل فرد يسلك طريقه الخاص وفق اهتماماته ومواهبه، ولكن يبقى الفن والشعر عنصرًا أساسيًا في حياتنا.
• في الختام، ما رسالتك للشباب الذين يطمحون إلى النجاح في مجالي الشعر والإعلام؟
رسالتي لهم واضحة: الحلم وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بالعمل والالتزام والمثابرة. الشعر يحتاج إلى صدق وإحساس، والإعلام يتطلب ثقافة واسعة، ومصداقية، واحترامًا لأخلاقيات المهنة.
لا تنجرفوا وراء الشهرة السريعة، بل اسعوا لبناء أنفسكم على أساس متين من المعرفة والتجربة. والأهم من ذلك، لا تنسوا أن الوطن يستحق منا كل الجهد والإبداع، فكونوا دائمًا على قدر المسؤولية، وأخلصوا في كل ما تقدمونه.
⸻
ختام اللقاء
في نهاية هذا اللقاء المميز مع الشاعر والإعلامي مهدي بن عبار العنزي، لمسنا عمق تجربته الإعلامية والشعرية، وثراء ذكرياته الرمضانية التي تعكس روح الزمن الجميل. رمضان سيظل شهر التأمل والصفاء، وفيه تتجلى القيم التي تربى عليها جيل الرواد.
نشكر ضيفنا الكريم على هذا الحوار الثري، ونتمنى له دوام الصحة والعطاء، ولنا لقاءات قادمة في “حديث الذكريات في ليالي رمضان”.
التعليقات 1
1 pings
خالد
13/03/2025 في 1:25 ص[3] رابط التعليق
حوار ثمين مميز مع شخصية أدبية وشعرية معروفة