رمضان ليس مجرد أيامٍ نصوم فيها عن الطعام و الشراب، بل هو زمنٌ تتجدد فيه الروح، و تتعمق فيه معاني العطاء و التأمل. إنه فرصة للعودة إلى الجذور، واستعادة الذكريات التي تركت بصمتها في حياتنا، سواء كانت لحظات الطفولة البريئة أو محطات النجاح والإنجاز.
في هذا الحوار الخاص، نستضيف شخصية جمعت بين الفكر الأكاديمي والمهارة الإعلامية، و ساهمت في صياغة المشهد الثقافي والتوعوي في المملكة. هو رجلٌ امتلك ناصية القلم، واستطاع عبر مسيرته أن يترك أثرًا واضحًا في مجالات البحث والإعلام والإدارة. ضيفنا هو الدكتور سعود صالح المصيبيح، الأكاديمي والمستشار الإعلامي والأمني والأسري، رئيس مركز “تعارفوا” للإرشاد الأسري، الذي عاصر التحولات الكبرى في الإعلام والمجتمع السعودي، و قدم رؤية عميقة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
الحوار الصحفي :
س: دكتور سعود، بدايةً، ونحن في أجواء رمضان، كيف تصف ذكرياتك الرمضانية الأولى؟
ج: رمضان في الطفولة كان مختلفًا تمامًا عن اليوم، فقد كانت الأجواء أكثر بساطة، لكنها مليئة بالمحبة والتواصل الاجتماعي. كان الجميع يجتمع حول مائدة الإفطار، وتبدأ الجلسات العائلية التي تمتد إلى السحور، يتخللها الحديث عن القيم الدينية والاجتماعية، وصلاة التراويح. كنا ننتظر الأذان بشغف من الشيخ عبد العزيز بن ماجد -رحمه الله-، مؤذن جامع الإمام تركي بن عبد الله الكبير، ونستمتع بتقاليد الشهر، من الأكلات الشعبية إلى المسابقات العائلية، وسماع يوميات “أم حديجان” للكوميدي عبد العزيز الهزاع، و**“يوميات سعد التمامي”** -رحمهما الله- عبر إذاعة الرياض، قبل اقتناء التلفزيون. وكان ذلك في بيت الوالد -رحمه الله- في شارع عثمان بن عفان، حي دخنة، والذي كان يُسمى شارع الغنم، بالقرب من حي جبرة ومصلى العيد والبرقية، وذلك في أواخر الثمانينات الهجرية.
س: كيف أثر رمضان على مسيرتك المهنية؟
ج: رمضان كان دائمًا محطة للتأمل وإعادة التقييم. كنت أستغله في القراءة والكتابة، خاصة المقالات التي تتناول القضايا الاجتماعية والثقافية. كما أن الأجواء الرمضانية كانت تمنحني فرصة أكبر للقاء الشخصيات المؤثرة، سواء في الإعلام أو الإدارة، مما أثرى تجربتي المهنية وساعدني في تطوير رؤيتي الإعلامية. وأتذكر عملي كمحرر صحفي في جريدة الرياض أثناء دراستي الجامعية في جامعة الإمام، حيث كنا نُكلف من قبل رئيس التحرير، الأستاذ تركي السديري -رحمه الله-، بإعداد التحقيقات الصحفية المناسبة. كما أذكر لعب كرة القدم بعد صلاة الفجر في ملاعب كلية الزراعة بجامعة الملك سعود في حي عليشة، وكان من ضمن من يلعب معنا الأمير الخلوق النبيل الدكتور حسام بن سعود، أمير منطقة الباحة حاليًا. وربما كان ذلك في أواخر التسعينات الهجرية.
س: هل لديك ذكريات مميزة مع الإعلام خلال رمضان؟
ج: نعم، كان لي مشاركات عديدة في تغطيات إعلامية خاصة بشهر رمضان، سواء في الصحف أو البرامج التلفزيونية. أذكر أنني شاركت في إعداد تحقيقات حول العادات والتقاليد الرمضانية، وكذلك في نقاشات حول تأثير الإعلام في تشكيل وعي المجتمع خلال هذا الشهر الفضيل. كما كنت أحرص على تقديم مقالات تعزز مفهوم القيم الأسرية والتواصل المجتمعي.
س: كيف ترى دور الإعلام في رمضان؟ وهل اختلف عما كان عليه في الماضي؟
ج: الإعلام في رمضان كان يركز في الماضي على المحتوى التوعوي والثقافي، وكان له تأثير واضح في تعزيز القيم الدينية والاجتماعية. اليوم، مع تطور وسائل الإعلام الرقمي، تغيرت طبيعة المحتوى، وأصبح هناك تداخل بين الترفيه والتثقيف. لا شك أن هناك إيجابيات كثيرة، لكننا بحاجة إلى إعادة التوازن بين الترفيه الهادف والمحتوى العميق، خاصة في المواسم التي تحمل أبعادًا روحية مثل رمضان. وبرز برنامج “طاش ما طاش” كنقلة في النقد الاجتماعي، وكنت مكلفًا من قبل الأمير نايف -رحمه الله-، بصفته وزيرًا للداخلية ورئيسًا للمجلس الأعلى للإعلام، وتمت إجازة بعض حلقاته من قبل وزارة الداخلية عندما تعذر ذلك من قبل وزارة الإعلام. وهذه معلومة قد يجهلها البعض، لكن الأمير نايف -رحمه الله-، كان يشجع الطرح الاجتماعي المفيد في معالجة بعض القضايا. وكنت حينها مديرًا عامًا للعلاقات والتوجيه بين عامي 2005 – 2010 تقريبًا.
س: ما النصيحة التي توجهها للشباب الإعلاميين في هذا الشهر الفضيل؟
ج: أوصيهم بأن يكون الإعلام لديهم رسالة، وليس مجرد وسيلة للانتشار. الإعلامي الناجح هو من يستطيع أن يصنع محتوى مؤثرًا يضيف قيمة حقيقية للمجتمع. رمضان فرصة كبيرة لاستخدام الإعلام في تعزيز الإيجابية، وتسليط الضوء على القضايا المهمة بأسلوب راقٍ ومسؤول.
س: كيف تقضي يومك الرمضاني حاليًا؟
ج: أحرص على تقسيم يومي بين العمل، والعبادة، والقراءة. أبدأ صباحي بقراءة بعض الكتب أو متابعة الأخبار، وبعد الإفطار أقضي وقتًا ممتعًا مع العائلة. كما أنني أستثمر الأجواء الهادئة بعد صلاة التراويح في الكتابة والتأمل في بعض المشاريع المستقبلية، وكذلك تقديم الاستشارات الأسرية والاجتماعية والنفسية لعملاء مركز تعارفوا للإرشاد الأسري، سواء حضوريًا في حي العقيق بمدينة الرياض، أو عن طريق الزوم والجلسات الهاتفية، بالإضافة إلى المساهمة في الإصلاح الأسري والزواجي.
س: في ظل التسارع الكبير في الحياة، كيف ترى أهمية رمضان في وقتنا الحاضر؟
ج: رمضان هو فرصة لإبطاء الإيقاع السريع للحياة، والتأمل في الأمور التي تهمنا حقًا. في ظل التكنولوجيا والتواصل الرقمي، أصبحنا نعيش في عالم سريع التغير، وأحيانًا نفقد جوهر الأشياء البسيطة. رمضان يعيد لنا هذا التوازن، ويذكرنا بأهمية الروابط العائلية، والقيم الإنسانية، وأهمية أن يكون لنا وقت للتفكير في ذواتنا وأهدافنا.
س: أخيرًا، ما الرسالة التي تود توجيهها في ختام هذا اللقاء؟
ج: أتمنى أن يكون رمضان فرصة لنا جميعًا لإعادة ترتيب أولوياتنا، ولتجديد قيم التسامح والعطاء في حياتنا. كما أدعو الإعلاميين والمثقفين إلى التركيز على القيم الإيجابية، وإنتاج محتوى يعزز الوعي والمسؤولية الاجتماعية. وأسأل الله أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم، وأن يجعل هذا الشهر شهر خير وبركة على الأمة الإسلامية. وأسمح لي، أستاذ محمد، أن أشيد ببعض البرامج التي تعزز القيم الإيجابية، مثل برنامج “شكرًا مليون” عبر قناة السعودية، كما أن هناك برامج سخيفة تعزز السخرية باللهجات وتطرح مستوى هابطًا ينبغي التصدي لها. وأشيد بمسلسلي “شارع الأعشى” و”حي الشميسي” لارتباطهما بجيلنا.
ختام الحوار
نشكر الدكتور سعود المصيبيح على هذا الحوار الثري، الذي أخذنا عبر محطات مهمة في مسيرته، وجعلنا نستعيد معه ذكريات رمضان بكل تفاصيلها الجميلة. نتمنى له دوام التوفيق، وأن يظل صوته حاضرًا في المشهد الإعلامي بكل ما يحمله من فكر ورؤية مستنيرة.
التعليقات 2
2 pings
بشير الرشيدي
09/03/2025 في 3:50 ص[3] رابط التعليق
حوار شيق وجميل جدا يعيد لنا ذكريات الماضي ..شكرا سعادة الدكتور سعود ..شكرا للأستاذ الماضي على الاختيار الموفق مع قامة إعلامية هامة
ناصر بن عبدالله المهيني
09/03/2025 في 5:44 ص[3] رابط التعليق
… لاشك التأمل والاختلاف واضح في المجالات الإعلامية والروحانية لشهر رمضان حاضرا وفي الماضي.. حوار ثري وصريح .. ورسالة امينة لمسيري الإعلام في العالم العربي والإسلامي.