ضيفُنا في الدقائق التالية هو الكاتب والأديب والمؤرخ حماد بن حامد السالمي، مدير مكتب صحيفة الجزيرة الإقليمي بالطائف سابقًا، وأحد الأسماء البارزة في مجال الصحافة والتوثيق التاريخي. له إسهامات واسعة في البحث والتأريخ، لا سيما فيما يتعلق بمدينة الطائف التي ارتبط اسمه بها تأريخًا وتوثيقًا.
في هذا الحوار الرمضاني الخاص، نسترجع معه ذكريات رمضان بين الماضي والحاضر، ونتحدث عن تأثير هذا الشهر الفضيل في الحياة الاجتماعية والثقافية، وانعكاساته على الصحافة والإعلام. كما نتناول التغيرات التي طرأت على طقوسه مع مرور الزمن، ونتحاور حول التحديات التي تواجه الصحافة في ظل التطورات الرقمية المتسارعة.
رمضان ليس مجرد شهر في التقويم الهجري، بل هو محطة روحية واجتماعية تتجدد فيها النفوس، ويعود فيها الإنسان إلى ذاته، حيث تغمر المجتمعات أجواء الألفة والمحبة، وتبرز القيم التي تعكس هوية الأمة وتراثها. لطالما ارتبط هذا الشهر الكريم بذكريات راسخة في الأذهان، بدءًا من صوت مدفع الإفطار، ومرورًا بالمجالس الرمضانية التي كانت ساحة لنقل الحكايات والتجارب، وصولًا إلى روح الجماعة التي كانت تطغى على تفاصيل الحياة اليومية.
ولكن مع تطور الحياة، وانتشار التكنولوجيا، تغيّرت الكثير من العادات والتقاليد الرمضانية، وأصبحت بعض الطقوس تختفي تدريجيًا، لتحل محلها مظاهر حديثة فرضها العصر الرقمي. كيف كان رمضان في الماضي؟ وما الذي تغيّر اليوم؟ وكيف استطاع هذا الشهر أن يكون مصدر إلهام للكتّاب والأدباء والصحفيين؟
س١: ماذا يعني لك شهر رمضان؟
ج: رمضان ليس مجرد شهر صيام، بل هو محطة للتأمل والمراجعة الروحية. فيه تصفو النفوس، وتتجدد العزائم، ويشعر الإنسان بعمق العلاقات الإنسانية من خلال التواصل والتراحم. يحمل رمضان عبق الذكريات، حيث كانت الأجواء أكثر دفئًا، والتجمعات العائلية أكثر حميمية. لهذا الشهر روحانية خاصة تجعله مختلفًا عن بقية شهور السنة، فهو يعيد ترتيب الحياة، ويجعلنا أكثر وعيًا بقيمة الوقت وأهمية العطاء.
س٢: كيف كانت أجواء رمضان في الطفولة؟
ج: رمضان في الطفولة كان مختلفًا تمامًا عما هو عليه اليوم، فقد كانت البساطة عنوان كل شيء. كانت المائدة الرمضانية عامرة بأطباق شعبية مثل اللقيمات والسوبيا والشوربة الحجازية. كان مدفع الإفطار علامة فارقة ننتظرها بلهفة، ثم يجتمع الجميع على المائدة وسط أجواء من المحبة. بعد صلاة التراويح، كانت المجالس تمتد للسهر مع كبار السن الذين كانوا يحكون لنا قصص الماضي، مما زاد من شغف التوثيق وحب التاريخ.
س٣: كيف انعكست أجواء رمضان على المسيرة الأدبية والصحفية؟
ج: رمضان كان دائمًا مصدر إلهام، فهو شهر التأمل والكتابة والتوثيق. كثير من المقالات والكتب وُلدت خلال ليالي رمضان، حيث يوفر الهدوء والسكون بيئة خصبة للتفكير العميق. كما أن المجالس الرمضانية التي كانت مليئة بالقصص، خاصة عن تاريخ الطائف وثقيف والأسواق القديمة، أثرت في المنهجية البحثية، وساهمت في تعزيز الاهتمام بالتوثيق التاريخي.
س٤: كيف كانت تجربة العمل الصحفي في رمضان؟
ج: الصحافة في رمضان لها نكهة خاصة، لكنها أيضًا تحدٍّ كبير بسبب ضغط العمل والإرهاق. رغم ذلك، فهي ممتعة، حيث تكثر الأنشطة والفعاليات التي تحتاج إلى تغطية إعلامية. كان هناك حرص على تقديم محتوى متماشي مع روح رمضان، سواء في المقالات أو التحقيقات الصحفية، وكانت هناك مسؤولية في رصد الفعاليات الدينية والاجتماعية والخيرية.
س٥: كيف كانت الطائف في رمضان قديمًا وحديثًا؟
ج: الطائف مدينة ذات تاريخ عريق، ورمضان فيها قديمًا كان يتميز بالأسواق النابضة بالحياة، والمجالس الرمضانية العامرة، والمساجد المليئة بالمصلين. اليوم، لا تزال روحانية رمضان موجودة، لكن مع تطور الحياة، أصبح التواصل الرقمي يطغى على اللقاءات التقليدية، ومع ذلك، لا تزال بعض العادات القديمة حاضرة، مما يحافظ على هوية الطائف الرمضانية.
س٦: ما رأيك في اللغة العربية اليوم؟ وهل تواجه تحديات؟
ج: تواجه اللغة العربية تحديات كبيرة، خاصة مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى انتشار الأخطاء اللغوية وضعف الالتزام بالقواعد النحوية. لا بد من تعزيز الاهتمام باللغة في المدارس والإعلام والمجتمع للحفاظ على مكانتها، فهي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هوية وثقافة يجب حمايتها.
س٧: كيف ترى مستقبل الصحافة الورقية في ظل التحول الرقمي؟
ج: الصحافة الورقية تمر بتغيرات كبيرة، لكنها لن تختفي، بل ستتطور. التحول الرقمي أصبح واقعًا لا مفر منه، لكن لا يزال هناك قراء يفضلون الصحافة المطبوعة. المستقبل يكمن في الدمج بين الورقي والرقمي، مع التركيز على جودة المحتوى والتحليل العميق والتوثيق، لأن الصحافة ليست في الوسيلة، بل في المصداقية والاحترافية.
س٨: ما هي نصيحتك للشباب المهتمين بالصحافة والكتابة؟
ج: الصحافة ليست مهنة سهلة، بل تتطلب شغفًا وصبرًا. يجب على الشباب القراءة المستمرة، والتدقيق اللغوي، والبحث عن الحقيقة. الصحافي الناجح هو الذي يمتلك المصداقية والشجاعة في الطرح، ويكون قادرًا على تحليل الأخبار بدلًا من مجرد نقلها. كما أن تطوير المهارات الرقمية أصبح ضرورة لمواكبة التغيرات في المشهد الإعلامي.
س٩: بعد هذه الرحلة الطويلة في الصحافة والتأليف، ما الذي يشغل الفكر اليوم؟
ج: لا تزال هناك مشاريع توثيقية تحتاج إلى العمل عليها، وهناك حرص على نقل التجربة للأجيال الجديدة، لأن حفظ التاريخ مسؤولية جماعية. الكتابة ليست مجرد عمل، بل شغف وحياة لا تنتهي.
س١٠: ما هو الطبق الرمضاني الذي لا يغيب عن المائدة؟
ج: لا يكتمل الإفطار دون الشوربة والسمبوسة، فهما من أساسيات المائدة الرمضانية، كما أن رمضان ليس مجرد وقت لتناول الطعام، بل فرصة للتجمعات العائلية والتواصل الاجتماعي.
ختامًا
كان هذا اللقاء استعادة لذكريات رمضان بين الماضي والحاضر، وتأملًا في التغيرات التي طرأت على المجتمع والصحافة واللغة، ليبقى رمضان مدرسة في القيم والتواصل، وفرصة للتأمل في حياتنا وإعادة ترتيب الأولويات.